الصحة النفسية في السيرة النبوية (1)

منّ الله علي بدارسة الطب النفسي فرأيت فيه اتفاقاً كبيراً بين ما حوته مباديء العلاج المعرفي السلوكي (وهو أشهر وأقوى طرق العلاجات النفسية حديثاً) وبين ما تضمنه السنة الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم. وكان من الأحاديث الشريفة التي يشمل معناها على واحدة من أهم قواعد العلاج النفسي هو حديث؛ “من بات آمناً في سربه معافاً في بدنه عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحزافيرها”**

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)
رواه البخاري في “الأدب المفرد” (رقم/300) والترمذي في “السنن” (2346)

لست ممن يلون عنق النصوص ليتفق النص رغماً عنه ليخدم قضية الكاتب وأيضاً لست من علماء الحديث ولكن سأشرح معناه ببساطه؛ حيث يوضح النبي صلى الله عليه وسلم أنه من نام وهو يشعر بالأمان في سربه – أي في سريره – ونعم بعمة الأمن والأمان وهو معافي في بدنه صحيح الجسد وعنده ما طعام ليومه فأنه قد أصبح ملكاً للدنيا بأثرها وهي كناية عن درجة السعادة والنعمة والفضل التي وصل إليها. سأتوقف قليل عند الشرط الثالث وهو “عنده قوت يومه” وبالتحديد عند كلمة “يومه” فلم يطلق رسولنا الكريم المدة الزمنية لتكون شهر أو سنة أو عمراً حتى يتحقق الشرط لكن كان محدداً في كفاية الطعام والإحتياج المادي فقط لمدة يوم ليكون ذلك كافياً ليصبح الإنسان في نعمة… الإقتصار على اليوم الحالي فقط دون التفكير في الماضي أو إستباق المستقبل والتفكير في الغد وحشد الهم له من الأمور الهامة التي تحث عليها مدراسة العلاج المعرفي السلوكي والتي تتمركز دائماً ما تركز على التفكير لليوم فقط … أن يسسلط الإنسان تفكير وهمه على ما هو مطلوب منه لليوم ساعتها سيجد أن ما لديه من مال وجهد وطاقة كافية لكي يفي بما هو مطلوب منه بشرط أن يكون جاداً في الوفاء بمتطلبات ذاك اليوم فقط.. من أكثر مصادر القلق أن يفكر الإنسان فيما هو مطلوب منه اليوم وغد وبعد غد وبعد شهر وبعد سنو واسنتين وعشر…. عندما يفكر الإنسان في أمور كثير قد جعلها الله متتالية زمانياً لكننا دون قصد ندمجها كلها سوياً ونفكر فيها كلها جنباً إلى جنب وكأن من المطلوب منا أن نسمها سوياً في نفس اليوم بينما هي “مجدولة” على نطاق زمني واسع يمتد لسنين… التركيز في مهام اليوم فقط يجعل الإنسان قادراً على إنجازها على الوجه الأمثل دون الشعور بالعجز أو اللهث ومسارعة الأحداث بل سيجد أن لديه “فائض” من الوقت والمال والطاقة مما يجلب له السكينة والهناء، وبالطبع ليس ذلك تغافلاً عن وضع الخطط المستقبلية ولا تجاهل للغد لكن التخطيط للغد يحتاج وضع خطة طويلة المدى تضم أهدافاً قصيرة المدى لكل يوم وبمجرد الإهتمام بأهداف كل يوم على حدى فإن الخطة طويلة المدى ستحقق بإذن الله لا محالة… أي أن تركيزك في متطلبات اليوم سينجح مهام اليوم واليوم الذي يليه والذي يليه لتجد في نهاية المطاف أن الأمور تسير على أحسن ما تريد.

لذا فإن مبدأ “هنا والآن” الذي يدعوا الإنسان ليهتم فقط بيومه ومكانه من المبادي التي تضمن راحة نفسيه للإنسان وقد سبق هذا المبدأ النفسي الحديث سبقه حديث نبينا صلى الله عليه وسلم لنهتم بيومنا ونجعله الإطار الزمني لأهداف قصيرة ينبني عليها خطط طويلة بفضل الله وبفضله تتحق السكينة النفسية والرضا وتفويض الأمر لخالق السموات العلى ومدبر الأمر.
صلى الله على محد صلى الله عليه وسلم.

 

عن د.محمد حسين

دكتور محمد حسين؛ مؤسس موقع نفسي دوت نت. استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين. الزمالة المصرية للطب النفسى الزمالةالمصرية لطب النفس الأطفال والمراهقين عضو الجمعية المصرية للطب النفسي. عضو الجمعية المصرية للعلاج المعرفي السلوكي. عضو الجمعية المصرية للطب النفسي للأطفال والمراهقين.

أبحث أيضاً في

الهلع له علاج

إضطراب الهلع من الإضطرابات النفسية الشهيرة ورغم إنتشاره إلا إن  كتير من الناس ليس لديها …