للإضطرابات المزاجية في الأطفال أشكال مختلفة سنتحدث عن الصورة المرضية لكل منها وكيفية تشخيصها والتشخصيات المشابهة والتي قد تلتبس معها في نفس التشخيص.
1 – الاكتئاب:
من السهل التعرف على الاكتئاب في الأطفال عندما يأتي بشكل حاد وخاصةً عند غياب أى أعراض نفسية أخرى.. ووفقًا للتصنيف الأمريكي الخامس للأمراض النفسية DSM 5 للنقاط التشخيصية يلزم على الأقل توفر خمسة أعراض وعلى الأقل لمدة أسبوعين ويجب أن تؤثر هذه الأعراض على أداء الطفل الأكاديمي والاجتماعي.
ومن الأعراض الهامة التي نجدها في هؤلاء الأطفال هو الشعور بالحزن والكآبة أو الشعور بالتوتر أو فقدان الاهتمام وعدم الاحساس بالمتعة التي كانت عادةً ما تصاحب الأمور التي تدخل البهجة والسرور على الطفل.. ومن العلامات الهامة هى بداية ملاحظة نقص وزن الطفل عما هو متوقع في مثل سنه كما يضطرب نظام النوم فربما يصاب بالأرق أو قد يعاني من الرغبة المتزايدة في النوم أو زيادة ساعات النوم.
وبالنسبة لنشاط الطفل (النشاط النفسي الحركي) قد يلاحظ زيادته بشكل واضح أو قد يحدث العكس فيقل نشاطه بشكل واضح..
كذلك يعاني الطفل من الإرهاق وفقدان الطاقة والهمة والشعور باليأس وفقدان الثقة بالنفس والشعور بالذنب وتتقلص قدرة الطفل على التركيز أو التفكير وربما يتبادر إلى ذهنه أفكار تتعلق بالموت.
ولكى نشخص الاكتئاب لابد أن تصل حدة هذه الأعراض إلى الدرجة التي تؤثر على حياة الطفل الاجتماعية أو أدائه الأكاديمي، الجدير بالذكر أنه لابد من السؤال عن تعرض الطفل أو المراهق إلى أى عقاقير قد تصيبه بالاكتئاب مثل (الكحوليات مثلاً) أو التأكد من خلوه من أى أمراض عضوية قد تسبب حدوث الاكتئاب.
وكذلك يجب مراعاة أنه لو تعرض الطفل لوفاة أحد ممن يحبهم كأحد الوالدين مثلاً.. فلو حدث وتأثرت حالة الطفل خلال شهرين من الحادثة فلا نعطي ذلك تشخيص اكتئاب حيث أنه من الطبيعي أن يمر بفترة من الحزن وتعتبر هذه الفترة طبيعية لو استمرت مدة أقل من شهرين، أما لو زادت عن ذلك فهنا أصبح الأمر مرضيًا مما يحتاج إلى استشارة طبيب نفسي، وفي بعض الأحيان وفي خلال الشهرين يمكن أن نشخص الطفل على أنه يعاني من اكتئاب ولكن بشرط تأثير ذلك الحادث الشديد على حياته اليومية أو عند احساسه بالذنب أو التفكير في الانتحار أو إذا اشتكى من أعراض ذهانية أو بطء نشاطه النفسي الحركي بشكل ملحوظ جدًا.
وفي الفترة ما قبل سن البلوغ عادةً ما يشكو المريض من أعراض جسمانية كزيادة النشاط النفسي الحركي وفي بعض الأحيان قد يعاني من هلاوس وبالطبع تتوافق مع حالته النفسية السيئة وغالبًا ما يعاني من اللامبالاة وفقد الشعور باللذة والشعور باليأس وقد يعاني من ضلالات، وفي المراهقين (الأكبر سنًا) تبدأ مشاكل اضطرابات النوم والشهية للطعام.
وقد نرى في بعض المراهقين بعض التصرفات العدوانية أو المضادة للمجتمع وعدم انصياعه للأنظمة والروتين العام كما قد يتطور الأمر في بعض المراهقين لتعاطي بعض المواد المخدرة… ونجد أيضًا في المراهقين بعض الأمور الأخرى مثل الشعور بعدم الارتياح أو العدوانية والتسيب والإنطواء بعيدًا عن حياته الاجتماعية المعتادة وقد يرغب بعض المراهقين في ترك المنزل.
عادةً ما يعاني المريض من صعوبات دراسية نتيجة لضعف التركيز وقلة النشاط العام وقد لا يبالي المريض بمظهره العام فيبدو مهملاً على غير عادته.
ويمكننا الاعتماد على الطفل في معرفة مشاعره وسؤاله عن أسباب سلوكياته الحالية وعن علاقاته وما يعانيه من مشاكل اجتماعية، وقد يصعب في بعض الأحيان التعبير عن مشاعره بالألفاظ والمصطلحات التي يتفق عليها الكبار وهنا يأتي دور المعالج الذي يمكنه تسهيل هذا الأمر عليه بتقديم بعض الخيارات مثل (هل تشعر بالحزن، بالفراغ، بالتوتر)، ولابد من السؤال عن مدة الأعراض.. متى بدأت ومدى استمراريتها، أو هل تأتي على شكل فترات فقط وبالطبع لابد من السؤال عن الأحداث المحزنة في حياة الطفل ومدى ارتباطها بظهور الأعراض.
وعادةً ما نلاحظ أن المرض قد أثر على معظم محاور حياته مثل علاقاته الاجتماعية وعلاقته بأقرانه وأفراد أسرته وتأثر أدائه الدراسي، وفي بعض الأحيان عندما يمتلك الطفل قدرات خاصة مثل الطفل عالي الذكاء قد يلحظ الأعراض مثل قلة التركيز ويتغلب على ذلك بزيادة ساعات المذاكرة أو طريقة المذاكرة مما لا يؤدي في النهاية إلى تدهور مستواه الدراسي، فالاكتئاب عادةً ما يعيق عدة أمور هى من شأنها أن تساعد على التحصيل الجيد فنجد فيه:
- قلة التركيز.
- بطء التفكير.
- ضعف الذاكرة.
- فقد الدافع والنشاط للتحصيل.
- الشعور بالإرهاق.
- الشعور بالنعاس.
- التململ.
- انشغال الذهن بالأفكار السلبية.
- الكسل والخمول وبطء الحركة.
كل هذه الأعراض تعيق التحصيل الدراسي للطفل وهذا مما قد يجدر بالبعض أن يخطئ التشخيص ويتصور أن هذا الطفل يعاني من صعوبات التعلم ويمكن الرجوع إليها بالتفصيل على الموقع للتعرف عليها، وببساطة عندما يتم علاج أعراض الاكتئاب سرعان ما تزول كل هذه العوائق ويرجع الطفل إلى مستواه المعتاد في التحصيل الدراسي.
ولو عانى المريض من أعراض ذهانية كالضلالات والهلاوس فعادةً ما يتناسب محتوى هذه الضلالات والهلاوس مع حالته المزاجية ولا تكون الهلاوس كتلك المميزة للفصام كالهلاوس التي هى عبارة عن صوت يعلق على كل أفعال الشخص أو هلاوس الأصوات التي تكون في شكل حوار بين شخصين أو أكثر وهذه الأنواع من الهلاوس لا نراها إلى في حالات الفصام.. لكن الهلاوس السمعية في مريض الاكتئاب إن وجدت فتأخذ شكل صوت شخص يتحدث إلى المريض وعادةً ما يصفه المريض بأنه صوت من الخارج أو صوت يأتي من دماغه وعادةً ما يحتوي الحوار على أفكار تدور حول الانتحار وإزدراء النفس.
وأيضًا في حالة وجود ضلالات فإن محتواها مرتبط بشكل وثيق بحالة الاكتئاب فنراها مليئة بالشعور بالذنب أو تدور حول الموت وعدم الثقة بالنفس والشعور بالعدمية.. وقد يصل الأمر إلى أن يعاني المريض من ضلالات الاضطهاد ويندر أن نرى الأعراض الذهانية في المرحلة العمرية ما قبل المراهقة لكنها توجد بصورة غير قليلة في المراهقين ممن يعانون من الاكتئاب ويكون من الصعب تشخيص الاضطرابات المزاجية عامة في المراهقين الذين يعانون للمرة الأولى من اضطرابات مزاجية عندما تصاحب هذه الاضطرابات تناول الكحول أو غيره من المواد المخدرة التي بدورها تؤثر على الحالة المزاجية ومن ثم تؤدي إلى عدم وضوح السبب.. هل السبب المادة المخدرة أم السبب هو الاكتئاب الذي أدى بالمريض إلى تناول المادة المخدرة.
2 – عسر المزاج
وبالرجوع إلى النقاط التشخيصية لتشخيص اضطراب عسر المزاج بين الأطفال والمرهقين نرى أنه حتى نشخص حالة عسر المزاج لابد من شكوى المريض من تغيرات مزاجية على مدى فترة زمنية تمتد إلى عام وليس عامين كالبالغين.
3 – الحداد Bereavement :
هى حالة من الحزن والحداد على فقدان شخص محبوب والتي عادةً ما تظهر بصورة تشبه إلى حد كبير حالة الاكتئاب، فعادةً ما يعاني الشخص من شعور بالحزن واضطرابات النوم وضعف الشهية.. وقد يؤدي هذا إلى نقص الوزن في بعض الأحيان ويؤدي شعور الطفل بالحزن والحداد إلى الانعزال عمن حوله من أصحابه ورفاقه وأفراد أسرته.
وتعتبر كل هذه الأعراض تفاعلات مقبولة أو لنقل طبيعية في مثل هذا الموقف.. فمن الطبيعي عند فقد شخص عزيز أن ينشغل الإنسان بالحزن ويفقد بعض اهتماماته المعتادة ولكنها تعتبر غير طبيعية عند استمرارها مدة أكثر من شهرين وعندها يتم تشخيص هذه الأعراض على أنها اكتئاب وليس حالة من الحداد.. وكما ذكرنا سالفًا أنه قد يتم تشخيص الاكتئاب في هؤلاء قبل شهرين إذا كانت شدة الأعراض عالية مما يتعدى حدود الأمور الطبيعية المقبولة.
وتعتمد مدة الحداد التي يعيشها الطفل على عدة عوامل منها توفر المواساة والمساندة والرعاية بعد الحادث فمن الأمور الهامة عند فقد أحد الوالدين أن يتم الانتقال بالطفل إلى مكان آخر حتى نقلل من شعوره بفقد هذا الوالد حيث أن وجوده في مسرح أحداثه اليومية المعتادة سيشعره بالفراغ الذي تركه غياب هذا الوالد أو الوالدة.
كما يؤثر على طول فترة الحداد مدى استعداد الطفل لتلقي خبر فقد أحد الوالدين كأن يكون الوالد مريضًا مرضًا مزمنًا، وقد تتطرق فكرة غريبة إلى هؤلاء الأطفال ألا وهى أنهم السبب في موت هذا الوالد أو الوالدة بسبب سوء أخلاقهم أو لأنهم لم يكونوا على ما يرام.
الفحوصات المعملية المساعدة في التشخيص:
لا يتوفر حتى الآن تحاليل و أشعات أو إجراءات معينة تقطع بتشخيص الاكتئاب ولكن قد يساعد إجراء تحليل الغدة الدرقية في الكشف عن سبب حدوث الاكتئاب عند شكوى المريض من الأعراض.. وهناك تحليل يسمى “اختبار توقف الديكساميسازون” حتى تتم متابعة وتقييم الاستجابة للأدوية.
التشخيصات المشابهة:
هناك العديد من الاضطرابات التي تشبه أعراضها أعراض الاكتئاب مثل:
- اضطرابات المزاج الناتجة عن تعاطي العقاقير:
قد يؤدي تعاطي المواد المخدرة إلى تغيرات مزاجية منها الاكتئاب ويمكن التفريق في التشخيص فقط بعد زوال تأثير هذه المواد وخروجها من الجسم، فإذا اختفت الأعراض فهى بسبب المواد التي تعاطاها المريض وإذا استمرت عندها يكون الأمر واضحًا.
- القلق:
يعاني مرضى القلق من عدة أعراض تشبه الاكتئاب.
- اضطرابات المسلك:
هو اضطراب سلوكي في الأطفال غالبًا ما يظهر فيه الطفل عدم الانصياع للأعراف والنظام العام مع التصرف بطريقة عدوانية نحو الآخرين.. ومثل هذه الأمور قد تظهر في بعض الأطفال عندما يعانون فقط من الاكتئاب.
- اضطراب فرط النشاط وقلة الانتباه ADHD:
ذكرنا سالفًا أن هناك بعض الأطفال يضطرب سلوكهم الحركي النفسي فقد يقل أو يزيد عن معدله الطبيعي وعند زيادته يتشابه التشخيص مع اضطراب فرط النشاط وقلة الانتباه.. لكن في الاضطراب الأخير تكون زيادة الحركة دائمة ومنذ نشأة الطفل الأولى وليست منذ فترة قريبة هى بداية المرض.. كما في الاكتئاب وقلما يعاني الأطفال من الصورة التقليدية للاكتئاب المصحوب بزيادة النشاط النفسي الحركي لكن مظاهر النشاط الزائد في نوبات من الغضب أو عدم القدرة على الجلوس في مكانه لفترة طويلة نسبيًا وبالطبع تتضح الصورة عند زوال أعراض الاكتئاب وعندها يعود الطفل إلى طباعه المعتادة ويمكنك الإطلاع على اضطراب فرط النشاط وقلة الانتباه في الأطفال بالتفصيل على الموقع.
اقرأ أيضاً:
تعليق واحد فقط
تعقيبات: الإكتئاب عند الأطفال – نفسي | موقع الطب النفسي