أبناؤنا ومواسم الطاعات
بقلم: د.دعاء أحمد
فى مواسم الطاعات تتنزل الرحمات..وتتضاعف الحسنات..وتتسع طاقات البذل ويكبر الاستعداد للمنح.. نكتشف فيها حجم قصورنا ونسعى للتدارك..ونقيّم بصدق قدراتنا ونُخرج أحسن ما فينا مواسم الطاعات تربة خصبة وجو صالح لزرع نبتة خضراء فى قلوب النبت .. الأحباء الصغار .. فى سطورنا القادمة نذكر من أجلهم عشرة مفاتيح.. تساعدنا بإذن الله فى فتح الأبواب المغلقة..كى تدخل الشمس الساطعة فى غرف القلب المظلمة وبحسن السُقيا منا تخرج النبتة خضراء يانعة
المفتاح الأول: غرس المحبة
يقول ابن القيم: “القلب في سيره إلى الله بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قُطع الرأس مات الطائر، ومتى عُدم الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر” فحتى وإن اعتل أحد الجناحين أو كليهما،لازال الأمل قائما فى العمل عليهما وإصلاحهما طالما رأس الطائر موجود،أما لو فقدت الرأس فقدنا الطائر بأكمله أيها المربى.. أيتها المربية .. احرصا على غرس محبة الله ورسوله فى نفوس أبنائكم اجعلوهم شهودا على رحلتكم الخاصة .. سعيكم الخاص لمحبة الله ورسوله .. يرون منكم بصدق وشفافية محاولات الوصول .. والحزن على الانتكاسات.. والافتقار إلى الله والتذلل بين يديه للرجوع إليه.. وطمأنينة العودة يرون فيكم الأنس بالله ،والطمأنينة تزداد مع كل خطوة فى المسير إليه يرون فى وجوهكم وسلوككم .. ويسمعون منكم .. فى مواقفكم الحياتية اليومية بصدق وتلقائية .. صفات الله وهدى المصطفى صلى الله عليه وسلم يستشعرون بعمق حبكم لله ورسوله .. فيحبونهم بالتبعية..
فأبناؤنا يحبون من نحبهم ..ويتجنبون من نتجنب ولا تنسوا أن الرسائل الخفية،والعملية هى أقوى وأبلغ من الرسائل الكلامية والخطب الوعظية المباشرة وكما يقول الشيخ النابلسى:”إذا عرفت الأمر..سهلت الأوامر” إذا أحب ولدك شخص ما مشهور .. سيتشبه به فى كل شىء .. يسعى للتطابق معه فماذا لو كان هذا المشهور هو صاحب أكبر رقم من المتابعين التابعين على مر التاريخ البشرى بأكمله؟ ماذا لو كان هو سيدنا النبى محمد صلى الله عليه وسلم فاحرص على غرس المحبة .. ومن ثم الحرص على الطاعة والالتزام منهم بالحلال والحرام سيأتي تباعا بمجهود أقل وحب أكبر
المفتاح الثانى: بناء جسور التواصل Connection before Correction
كيف هى علاقتك بولدك؟متى كانت آخر مرة استمعت إليه فيها بانتباه وود خالص؟ هل تشعر/تشعرين أن طفلكم يحبكم فعلا وأن جسور التواصل بينكم ممتدة؟ لو أحبنى طفلى.. وأحب صورة الدين المتمثلة فى ..أُصبح نموذجه المفضل كقدوة.. وتصبح الرسائل منى أكثر سلاسة فى الوصول لقلبه وعقله بعض الأولاد يختارون البعد عن الله وقد يصلون للإلحاد.. فقط لأنه الطرف النقيض لصورة الأب أو الأم .. التزام ظاهرى وقلب قاس ولسان سليط لا يعرف سوى التقريع فتصبح الصورة الأولية التى كونها واحتفظ بها الطفل فى ذاكرته عن الدين منفرة.. يسعى للهروب منها والتخلى عنها فيما بعد مُد جسور التواصل مع ولدك..تستقم له طرق الوصول لله ورسوله
المفتاح الثالث: خلق الفضول .. الاستعداد .. التوقع
حرك فضول ولدك عن مواسم الطاعات وأضف روح التشويق لماذا هذه الأيام بعينها أكثر بركة من غيرها؟ لماذا نكون فيها أكثر حرصا على الطاعة؟ ما هو الحدث الهام الذى ننتظره؟ ساعده فى البحث عن الإجابات من مصادر صحيحة موثوقة ثم وضع خطة مسبقة للاستعداد .. خطة واقعية .. متزنة ..مرنة.. يسيرة ..غير مزدحمة .. لا تخلو من اللطائف كتعليق الزينة مثلا وتحضير العيديات واسردا معا التوقعات المختلفة ماذا لو التزمنا بجميع ما فى الخطة؟ ماذا لو واجهتنا صعوبة فى نقطة ما؟ كيف نتدارك التقصير فى شىء منها؟ ما هى خططنا البديلة؟ الاستعدادات المادية والمعنوية قبل مواسم الطاعات تجعل المأمول أكثر سهولة.. والحصاد أوفر
المفتاح الرابع: فن صناعة الذكريات “خلق العادات”
كيف تحب أن يتذكر ابنك/ابنتك مواسم الطاعات وهم فى الثلاثين من عمرهم؟ وما هى العادات التى ستتبناها مرارا وتكرارا وتبنى عليها فى كل مرة حتى يشتد البناء؟ فكر فى الأمر وارسمه تخيلا ثم ترجمه لعادات صغيرة محببة يتشربها طفلك صغيرا ويعيد اختيارها بكامل إرادته كبيرا.. وتصبح أثرا ممتدا يورثه لأبنائه تلك الذكريات أيضا تكون هى الومضات على الطريق..نشعر بالحنين إليها وتجذبنا من جديد عندما نشرد.. وتأخذنا الدنيا
المفتاح الخامس: حسن المشاركة.. وروح المبادرة.. ولذة العطاء
نتشارك فى وضع الخطة .. وفى اقتراحات الخير .. وكيفية التنفيذ .. نشارك سويا فى إطعام مثلا
من المسئول عن الشراء ومن مسئول عن التعبئة ومن سيحصر الأسماء المستحقة ومن مسئول التوزيع صندوق الصدقات من سيتعهده؟ ومن سيذكرنا بمواعيد الصلاة؟ مسئوليات صغيرة موزعة بحب .. يقوم بها الطفل – كل بحسب عمره وقدراته- ويدرك إمكانيته الالتزام بها فيصبح أكثر ثقة فى قدراته واعتدادا بذاته وانفتاحا لمزيد من المسئوليات ومزيد من الخير .. ويستشعر عمليا لذة العطاء وحلاوة الإيمان
المفتاح السادس: التحفيز المعنوى والمادى
نميل فى ترسيخ الطاعات كعادة للتحفيزات المعنوية كالقبلة والحضن والمزيد من الوقت ولا نستغنى تماما عن التحفيزات المادية خصوصا فى السن الأصغر فنعد بالهدايا والمنح المالية كل حين وآخر من مبادئ علم النفس التى قد تساعدنا فى التحفيز مبدأ Premack’s principle فنربط فعل دافعيتنا نحوه أقل بآخر دافعيتنا نحوه أكبر كما فى حياتنا اليومية مثلا قد نشجع الأولاد على المذاكرة بمنحهم نصف ساعة من اللعب “الدافع الأكبر” بعد الانتهاء من أداء الواجب”الدافع الأقل” يقول أحد الآباء أنه كان يشترى الآيس كريم له ولولده كل ليلة أثناء العودة من صلاة التراويح ويسمرا معا فى طريقهما للبيت ما جعل ولده أكثر حبا لعادة/طاعة صلاة التراويح
المفتاح السابع: اختر معاركك
فى مواسم الطاعات ركز على الهدف الذى تسعى إلى ترسيخه فيها وفقط ..وليكن الصلاة مثلا فتصبح تنبيهاتك منصبة عليها فقط .. وإن اضطررت لاتخاذ موقف حازم .. فليكن من أجلها وفقط كي يدرك ابنك مدى أهمية ما تتكلم فيه .. وتنصح بشأنه.. وتغضب بسبب التفريط فيه..ويستوعب كونه أولوية أما إذا اعتمدنا نفس ردة الفعل بنفس الدرجة على أى وكل شىء نظافة الثياب وتسوية الغرفة وطريقة الكلام والصلاة والصدق ستفقد الأولويات قيمتها.. ويتساوى كل شىء فى عين الولد ويصبح هينا.. مصدرا للملل والانزعاج من الأهل وفقط فتعلم مع أبنائك أن تختار معاركك .. وتجنب التعليق على أى وكل شىء حتى لا تفقده
المفتاح الثامن: القصص
من أمتع وأجدى الوسائل فى تربية الأطفال وغرس القيم وأساليب التفكير الصحيح وحل المشكلات .. الحكى فن ممتع ورفيق – من الرفق وحسن الرفقة- إذا أحسنا الحكى عن مواسم الطاعات.. زاد تذكر وارتباط أبنائنا بها نحكى مثلا عن باب الريان.. عن قصة بناء الكعبة.. فيل أبرهة.. إسماعيل الوليد وزمزم “قصة السعى” .. قصة الفداء القصص أقرب للقلب والروح وأحفظ للعقل والذاكرة .. فأحسن استثمارها
المفتاح التاسع: سحر الدعاء
كان الفضيل بن عياض يقول: ” اللهم إني عجزتُ عن إصلاح ولدي فأصلحه لي”. فمازال يدعو الله بها حتى أصلح الله ولده.. ادع لأولادك دائما .. فى سرك وعلانيتك.. اجعلهم يسمعون دعاءك لهم حتى فى أشد الأوقات توترا بينكم .. وأوص الطيبين ومن تتوسم فيهم الخير بالدعاء لهم وعلمهم الدعاء وحسن الالتجاء إلى الله وتفويض الأمور كلها إليه .. علمهم أن الدنيا بكل ما ومن فيها هى مسخرات بيد الله .. يطوعها لمن ألحّ فى الدعاء مع الأخذ بالأسباب..
المفتاح العاشر: لا تحاول السيطرة بشكل كامل ولا تفقد الأمل
فى رحلة التربية أنت مطالب بالسعى لا بالوصول .. وما على الرسول إلا البلاغ هداية ولدك فضل من الله لا منك .. وشروده عن الطريق لا يعود بالضرورة إليك فلا تحاول السيطرة عليه بشكل كامل لأنك حتما ستفشل.. شئت ذلك أم أبيت.. ولا تفقد الأمل كذلك لأن عقيدتنا “إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها” فنحن نحاول ونسعى ونأمل الخير حتى آخر رمق وآخر لحظة. هذه المفاتيح العشرة تساعدنا فى رحلة التربية بشكل عام .. ونستخدمها بكثافة أكبر وقت الأحداث الأهم.. كمواسم الطاعات نختم بمثال عملى نوظف فيه مفاتيحنا العشرة
يوم عرفة
نثير فضول أبنائنا.. ما هو يوم عرفة؟ لماذا سمى بهذا الاسم؟ لماذا هو مقدم على غيره من الأيام؟ نشاهد الجبل ونتعرف على المعالم ونحكى قصص الحج بعدما قدمنا المعلومات بطريقة مشوقة ومرحةوعظمنا شعائر الله فى القلوب نضع معا خطة لليوم ونوزع المهام مصحوبة بالمحفزات..ونخصص أوقات الإجابة للدعاء ونسأل الله حسن السعى فى التربية وحسن الصحبة لأبنائنا والقبول فى الدنيا والآخرة ويأتى العيد وطقوسه ختاما جميلا مبهجا آمنا مطمئنا..لبنة جديدة طيبة فى بناء الذكريات❤️