إضطراب القلق

بدأ الحديث عن القلق منذ بدايات القرن الماضي في محاولة الربط بين القلق وأداء الشخص.. وبينت أنه كلما زادت درجة القلق فإن أداء الشخص يتحسن ولكن ذلك حتى مدى معين وبعدها إن زاد القلق عن حده يؤثر سلبًا على أداء الشخص، أى عندما يزيد القلق عن “حده” المطلوب ينقلب “ضد” أداء الشخص ويحد منه.

إذن فدرجة معتدلة من القلق هى ضرورة لأداء الأعمال والتحصيل الجديد والانتباه للآخرين كمن يتحدث إلى الآخرين في محاضرة مثلاً فهو بحاجة لدرجة من القلق تجعل منه متيقظًا ومنتبهًا لكل ما حوله، وهذا يرفع من كفاءة المحاضرة بينما إن زادت درجة القلق عن ذلك فقط يتلعثم لسانه عن الكلام أو يبدو عليه التوتر والقلق.

لهذا وجود شئ من القلق والتيقظ أمرًا محمودًا في نطاق المعقول، وحينما يزيد القلق عن الحد المطلوب لدرجة تعيق الإنسان أو تحد من أدائه أو شعوره بالأمان فساعتها نكون قد تعدينا الحدود الطبيعية إلى غيرها المرضية لنكون في نطاق اضطراب القلق، وهى والاضطرابات المنتشرة ولها العديد من الأشكال أهمها اضطراب القلق العام، واضطراب الهلع، واضطراب الرهاب الخاص، واضطراب الرهاب الاجتماعي.. وقديمًا كان يضاف لها اضطراب الوسواس القهري إلا أن حسب التصنيف الخامس للجمعية الأمريكية للطب النفسي الصادر في عام 2012 فصل الوسواس القهري كاضطراب منفصل وإن كانت الأعراض لاتزال متشابهة.. وسنتناول كل الاضطرابات السابقة بمزيد من التوضيح في المقالات القادمة على موقع نفسي دوت نت.

لماذا الاهتمام باضطراب القلق؟

اضطرابات القلق هى أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا في العالم.. فهى تنتشر بين 25% من البشر في كل المجتمعات.. ويصل معدل الإصابة إلى 12%.. وعلى الرغم أن اضطرابات القلق الأكثر شيوعًا إلا أنها لا تحظى بالاهتمام الأول ولاتيقف في مقدمة الاضطرابات المعروفة سواء إعلاميًا أو اهتمام الكتاب أو انشغال المرضى به مقارنة بالاكتئاب مثلاً.

تعد اضطرابات القلق من الاضطرابات المعيقة للحياة والتي تؤثر بالسلب على الحياة الوظيفية والاجتماعية، كما أن الإصابة بواحدة أو أكثر من اضطرابات القلق يجعل الإنسان أكثر عرضة للإصابة باضطرابات نفسية أخرى مثل الاكتئاب أو الإدمان كما أنه يكون أكثر عرضة للأمراض العضوية كأمراض القلب والضغط.

القلق هو ارتفاع غير مناسب في درجة التأهب والانتباه تؤدي إلى قلق أداء الإنسان عما هو متوقع منه ويؤدي بدروه إلى تغيير في سلوك الشخص وعلاماته الحيوية.

تتشابه أعراض اضطراب القلق بأشكاله المختلفة بين اضطراب القلق العام والهلع – الخوف الاجتماعي والرهاب المحدد لكن الفراق الأساسي في توقيت وملابسات ظهورها، فظهور الأعراض بشكل دائم أو معظم الوقت بدون سبب معروف يشير إلى الإصابة باضطراب القلق العام، بينما ظهورها في نوبات قصيرة تختفي ويعود الإنسان لهدوئه فهذا ما يسمى اضطراب الهلع.. وعند ارتباط ظهور الأعراض بالمواقف الاجتماعية والحديث في وجود الآخرين أو إلقاء المحاضرات أو المناسبات الاجتماعية فهو ما يسمى الرهاب الاجتماعي.. وإن اقتصر ظهور الأعراض على وجود شئ معين كالعناكب مثلاً فهو ما يسمى اضطراب القلق المخصص.. فغالبًا ما تتشابه الأعراض في جميع الاضطرابات السابقة لكن الفارق هو طريقة ظهور الأعراض واستمراريتها.

الأعراض:

  • جفاف الحلق.
  • الشعور بالاختناق.
  • بزيادة ضربات القلب.
  • ارتعاش الأطراف.
  • الضعف وعدم القدرة على الوقوف.
  • اضطراب حركة الأمعاء.
  • احمرار الوجه.
  • الاحساس بعدم القدرة على الكلام أحيانًا أو هروب الكلمات من رأس الشخص.
  • ارتفاع ضغط الدم.
  • اتساع حدقة العين.
  • الشعور بالتنميل.
  • الشعور ببرودة الجلد.
  • شد العضلات.
  • يقول بعض المرضى “حاجة واقفة في زوري” أى غصة في الحلق.

وبالطبع فإن هناك الكثير من الفوارق بين اضطرابات القلق المختلفة والتي تفرق بين كل نوع والآخر.. أهمها الجانب المعرفي ومدى ترجمة هذه الأعراض بالعقل البشري، فظهور هذه الأعراض لدى المريض الذي يعاني مننوبة هلع يترجم بالنسبة له على أنه مقدم على موت محقق بينما المريض الذي يعاني من اضطراب القلق العام يفسر ذلك على أنه يشعر بالخطر والتوتر من الحادث الذي سيتم ويفقد السيطرة على الأمور من حوله.

الاضطرابات المصاحبة:

عادةً ما تتزامن الإصابة بأكثر من واحد من اضطرابات بأكثر من واحد من اضطرابات القلق فيعاني الشخص مثلاً من الرهاب الاجتماعي مع اضطراب الهلع، كما يعتبر يتزامن اضطراب القلق بالإصابة بالاكتئاب من الأمور الشائعة.

هل يؤدي القلق إلى الاكتئاب؟

أثبتت الأبحاث أن 68% من المرضى المصابين بالقلق إن لم يتلقوا العلاج المناسب (الدوائي أو النفسي) يصابون بالاكتئاب خلال 10 سنوات، وللأسف إن الإصابة بالاكتئاب مع القلق تجعل معاناة المريض أكثر مرارة ويطيل من فترة الإصابة بالمرض وقد يجعله أقل استجابة للعلاج.

في المقالات القادمة سنتحدث عن اضطرابات القلق كل حدى.. ولمزيد من التوضيح تابعونا.

يختلط على الكثير الفرق بين القلق والخوف.. وقد يستغل أحد هذين المصطلحين بشكل متبادل، وببساطة الخوف يكون من شئ معلوم المصدر بينما لا يعلم سببه في القلق ويعاني الشخص من ذلك الشعور السئ دون معرفة سببه.

ويبنى القلق على أمرين هامين أولهما الشعور بالترقب من خطر ما سيحدث قريبًا وليس بالضرورة أن يكون هذا الخطر حرب نووية ولكن أى شئ مزعج لا يتمنى حدوثه كطرق الباب مثلاً، ويصاحب شعور الترقب الأمر الثاني وهو التغيرات الفسيولوجية التي تظهر على الجسم ومنها الأعراض التي سنذكرها بعد عدة أسطر.

 

اضطراب القلق العام GAD

 

وتختلط أعراض القلق مع الاكتئاب.

الجهاز الدوري:

  • زيادة الشعور بضربات القلب ويصاحبه ألم في المنطقة الصدرية (منطقة الثدي الأيمن).
  • زيادة في ضغط الدم الانقباضي وهذا ما يفرق بينه وبين ارتفاع ضغط الدم المعتاد والذي نجد فيه زيادة في كل من ضغط الدم الانقباضي والانبساطي.

الجهاز الهضمي:

  • الشعور بالغثيان وأحيانًا القئ.
  • اسهال وربما يظهر امساك.
  • علو صوت الأمعاء.

الجهاز البولي والتناسلي:

  • ضعف الانتصاب.
  • اضطراب الدورة الشهرية.

الجلد:

  • حكة وحساسية وتقشير في الجلد.

الصدر:

  • الشعور بالضيق في الصدر وعدم القدرة على التنفس.

الجهاز العصبي المركزي:

  • عرق.
  • رعشة.

القدرات المعرفية:

  • الشعور بالتوتر والتشتت.
  • فرط التيقظ والتفاعل مع أى مؤثر Starter Response
  • قلة التركيز.
  • المبالغة في تقدير الخطر في كل أمور الحياة تقريبًا.

وللتغلب على هذا الشعور يلجأ البعض لتعاطي المواد المخدرة وهوما يؤدي إلى تحويل المشكلة إلى مشكلتين.. مشكلة القلق ثم الإدمان وهذا يستدعي علاج كليهما وليس أحدهما عند خضوع المريض للخطة العلاجية.

غالبًا لا تستدعي حالات القلق دخول المستشفى ولكن يتم علاجها بواسطة العيادات الخارجية من خلال الأنماط الأخرى التالية.. وفي الحالات البسيطة يمكن الاعتماد على العلاج النفسي بينما في الحالات المتوسطة والشديدة لابد من العلاج الدوائي بجانب العلاج النفسي.

اضطرابات القلق معدل الإصابة سنويًا متى يظهر نسبة إصابة بين الإناث والذكور
اضطراب القلق العام 2.8% البداية من الطفولة حتى الكبر 3 : 1
اضطراب الهلع 4% آخر مرحلة المراهقة حتى آخر الثلاثينيات 3 : 1
اضطراب الخوف الاجتماعي 3.5% المراهقة 1 : 1
اضطراب الخوف المخصص 4.5% الطفولة إلى المراهقة 2 : 1
اضطراب كرب ما بعد الصدمة 3.5% أى وقت 2 : 1
الوسواس القهري 2% الطفولة 1 : 1

 

العلاج الدوائي:

هام جدًا في حالات القلق وخاصة في الحالات المتوسطة والشديدة، ويضم العلاج الدوائي الكثير من مجموعات الأدوية النفسية مثل مثبطات استرجاع السيروتونين SSRIs – SNRIs – TCAs والبنزوديازابين ومجموعة B- Blocker مثل الإندرال.

ويعتمد اختيار الدواء على شكوى المريض فغالبًا ما يختلف كل مريض عن غيره، فالمرضى الذين يشعرون بالرعب واحساس الترقب غالبًا ما يستفيدون من مجموعة SSRIs و SNRIs بينما الذين يعانون من أعراض عضوية بشكل أساسي غالبًا ما يحتاجون B- blocker

وأشهر عقار يتبع مجموعة البنزوديازيبين هو دواء الألبرازولام Alparazolam والتي تتوفر بالأسواق تحت العديد من الأسماء التجارية أهمها: زانكس – زولام – ألبراكس لكنها ليست الخيار الأول بسبب الإعتيادية التي تسببها إذا طالت فترة الاستخدام.. وهو لا يؤثر على القدرات المعرفية كباقي مجموعة البنزوديازيبين.

يأتي الخيار الأول وهو مجموعة مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية وهى ما تعرف بـ SSRIs والتي تضم:

  • فلوكستين: بروزاك – فلوتين – أوكتوزاك.
  • سيرترالين: لوسترال – سيرباس – مودابكس – سيرلفت.
  • فلوفكسامين: فافرين – ستاسومتين.
  • سيتالوبرام: سيبرام – ديبرام – رام ديب – سيتالو.
  • إسيتالوبرام: سيبرالكس – إسيتا –
  • باروكستين: سيروكسات – باروكستين – زاندول.

يعتمد العلاج الدوائي كخيار أول على مجموعة مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية SSRIs والتي تستخدم في علاج الاكتئاب لكن الجرعات الفعالة في علاج القلق تكون أعلى من تلك المستخدمة في علاج الاكتئاب.. كذلك يعتبر عقار الـ فينلافاكسين له دور فعال في العلاج.. وترجع أهمية استخدام مجموعة مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة للخيار الثاني بسبب ىثارها الجانبيية من جفاف الحلق والنعاس وزيادة ضربات القلب أحيانًا.. وأشهر هذه الأدوية هو عقار كلوميبرامين والمعروف باسم أنافرانيل.

ويعتبر عقار بريجابلين Pregabalin من الأدوية المستخدمة وذلك لفاعليته على الناقل العصبي GABA.

العلاج النفسي:

العلاج النفسي هام جدًا في اضطرابات القلق بشكل عام وفي اضطراب القلق العام بشكل خاص.

أثبتت الأبحاث الحديثة أن للعلاج النفسي أثرًا كبيرًا في إحداث تغييرات إيجابية بالمخ وخاصة بعد الدراسة التي قام بها العالم “باكستر” والتي قام فيها بإعطاء علاج دوائي لنصف المرضى وقام بالعلاج النفسي للنصف الثاني وتابع استجابة المرضى للعلاج من خلال التصوير المخي PET scan لاحظ أن النتائج كانت متقاربة جدًا وأن العلاج النفسي أدى إلى نتائج عظيمة، وكذلك أثبتت الأبحاث الأخيرة أن الاعتماد على العلاج الدوائي مصحوبًا بالعلاج النفسي يؤدي إلى نتائج تفوق بكثير الاعتماد على نوع واحد من العلاج (الدوائي أو النفسي).

ويعتبر العلاج المعرفي السلوكي خيار العلاج الأول في حالات الخوف المتخصص.. وبشكل أدق العلاج السلوكي والذي يمارس بأشكاله المختلفة مثل فقد الحسية أو الغمر أو العلاج بالنموذج والتعرض التدريجي وسنشرح بالتفصيل هذه الأنماط من العلاج.

يعتمد علاج اضطراب الهلع بشكل أساسي على العلاج المعرفي وتفهم كيف تحدث الأعراض وكيفية ترجمتها حتى يكسر الدائرة المفرغة.

تمارين الاسترخاء هى أحد أكثر طرق العلاج السلوكي لاضطرابات القلق والقلق العام.. وسنوالي في المقالات شرحًا وتفصيلاً لتمارين الاسترخاء.

أسباب الإصابة بالقلق:

هناك العديد من الأسباب لنشأة القلق من أهمها:

  1. دور العامل الوراثي:

للوراثة دور لا يمكن إغفاله في ظهور الإصابة باضطراب القلق، وإن كان يظهر أوضح في اضطراب الهلع واضطراب الوسواس القهري حيث أنه وجد أن ثلث المصابين بالوسواس القهري والهلع يوجد بين أقارب الدرجة الأولى من يعانون من نفس الاضطرابات.

  1. العوامل البيولوجية والنواقل العصبية:

هناك ثلاث نواقل عصبية ترتبط بشكل وثيق جدًا في ظهور القلق وهى النورأدرينالين والسيروتونين والجابا GABA.

كما أنه ثبت إصابة النواة القاعدية (Candate Neulers)  في حالات الوسواس القهري ووجد في حالات أخرى زيادة استثارة اللوزة المخية في عدد كبير من مرضى القلق.

  1. العوامل الاجتماعية والنفسية:

من نافلة القول أن نذكر أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين ضغوط الحياة وظهور القلق ولكن هذا لا يعني أن كل من يتعرض إلى ضغوط سوف يعاني من القلق أو الصدمة، ففي كل الدراسات التي أجريت في العديد من أماكن البحث أثبتت أن 30% فقط ممن تعرضوا للكوارث هم من يظهرون أعراض كرب ما بعد الصدمة أو غيرها من اضطرابات القلق.. ونفهم من ذلك أن الضغوط لها دور لكن ليس الدور الوحيد.

  1. النظرية المعرفية للقلق:

تفترض هذه النظرية أن منشأ أعراض القلق هو سوء تقديرنا للخطر وترتيب الأولويات، كما تؤكد على ذلك في اضطراب الهلع حيث تكون المشكلة الأساسية في ترجمة الأحاسيس الجسدية من ضربات القلب المرتفعة والتعرق وسرعة التنفس بدلاً من ترجمتها بشكل سريع وفوري وأتوماتيكي على أن ذلك الشعور لا يعني إلا موت محقق.. بالطبع أى شخص يشعر أنه يموت فإن ذلك يؤدي إلى زيادة في ضربات القلب وسرعة التنفس والعرق وهى علامات سيترجمها على أنها زيادة في أعراض وعلامات الموت المحقق وهكذا.

مآل اضطراب القلق العام:

يأخذ اضطراب القلق طابع مزمن وقد تستمر أعراضه مع الزيادة أحيانًا والاختفاء والتحسن أحيانًا أخرى وخاصة في أوقات التعرض للضغوط.

عن د.محمد حسين

دكتور محمد حسين؛ مؤسس موقع نفسي دوت نت. استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين. الزمالة المصرية للطب النفسى الزمالةالمصرية لطب النفس الأطفال والمراهقين عضو الجمعية المصرية للطب النفسي. عضو الجمعية المصرية للعلاج المعرفي السلوكي. عضو الجمعية المصرية للطب النفسي للأطفال والمراهقين.

أبحث أيضاً في

الحشيش وأخواته

يعد الحشيش من أكثر المواد المخدرة الأكثر إنتشارآ فى العالم و الأكثر إثارة للجدل  تجاهها …