كیف غیر فیروس كورونا من أشكال التواصل الاجتماعي؟

هل یمكن أن یعود التواصل الاجتماعى كما كان قبل جائحة فیروس كورونا أم أن الحیاة كما عهدناها ستتغیر بلا رجعة ؟
تم طرح هذا السؤال في مقال منشور بجریدة “TIME” الأمریكیة في مایو الماضي، تم خلاله عرض عدد من وجهات النظر حول هذا الموضوع.

بدایة مع د.مارك سكلانسكى، طبیب الأطفال بإحدى مستشفیات جامعة كالیفورنیا، حیث طالما عارض التحیة عن طریق مصافحة الأیدي لما تتضمنه من مخاطر نقل العدید من الجراثیم والأمراض، إضافة إلى أن هناك العدید من المرضى لا یفضلون المصافحة لأسباب ثقافیة أو دینیة لكنهم یضطرون غالباً لمصافحة ید الطبیب الممدودة لهم، ولأعوام طویلة ظلت مصافحة الأیدي جزءا أساسیا من علاقة الطبیب والمریض حیث تحدث تقریبا في حوالى 83 % من المرات كما أوضحت تسجیلات أكثر من مائة مقابلة طبیة.

لأعوام طویلة لم یتمكن دكتور سكلانسكي من مشاركة هذا الرأى خوفا من الإنتقادات، حتى اشترك هو وعدد من زملائه في دراسة عام 2014 عن مخاطر المصافحة ودورها في انتقال العدید من الجراثیم والفیروسات وكیف یمكن الحد من هذا إذا توقف مقدمو الخدمة الصحیة عن مصافحة مرضاهم. الرأى الذى اعترض علیه العدید من الأطباء الذین وجدوا أن المصافحة ركن أساسي لكسب ثقة المریض وإقامة علاقة علاجیة قویة معه، حتى أن البعض قابل هذا الرأى بالسخریة، لكن لم یعد الوضع كومیدیا الآن.

مع بدایة جائحة فیروس كورونا وقواعد التباعد الاجتماعي وضرورة الحفاظ على مسافة مترین على الأقل من أي شخص اختفت المصافحة بالأیدي وغیرها من أشكال التلامس الاجتماعي كالعناق مثلاً. یرى البعض أن هذا ربما یستمر بصورة دائمة في المستقبل، حتى بعد إنتهاء الجائحة، كما صرح د.أنتوني فاوتشي مدیر المعهد الوطني لأمراض الحساسیة والأمراض المعدیة بالولایات المتحدة في أبریل الماضي بأننا لا یجب أن نتصافح مرة أخرى في المستقبل.

لكن یبقى السؤال، كیف سنستبدل الأسالیب المعتادة للتواصل بین الأفراد؟

وهل سیزید ذلك من عزلتنا؟

یرى كثیر من الإختصاصیین النفسیین أننا سنجد في الفترة القادمة الكثیر من المواقف المحرجة بین أفراد یحاولون التواصل بالشكل المعتاد وأشخاص آخرین یخشون التلامس بأي صورة.

هل یمكننا تخیل كیف سیقوم الناس بتحیة بعضهم مثلاً؟ كیف ستكون شكل العلاقات بین الناس عامة؟

 

توضح الباحثة في جامعة لینكوبینج بالسوید، جولیا سوفیلیتو، أن التواصل الجسدي بین الغرباء له بالأساس أغراض تطوریة؛ فنجد أن الثدییات البدائیة مثلا تستخدم التلامس بشكل أكبر للتعرف على أقرانها، وكأنها بذلك تكتسب ثقة بعضها البعض مما یساعد أیضا في تقلیل نسبة العنف بینهم، وهذا ما تؤكده أیضاً تیفاني فیلد من جامعة میامي، وتكمل أنه إذا قمت بإحضار قردین بینهما لوح زجاجي بحیث یتمكن كل منهما من رؤیة وسماع الآخر دون لمسه، ثم قمت بإزالة الحاجز الزجاجى، غالبا سیقوم كلا منهم بقتل الآخر!

تؤكد فیلد أنه على مدى عملها شاهدت كیف انخفض مستوى التواصل الجسدي بین الناس في المجتمع الأمریكي على مدار الأعوام الماضیة خاصة بعد حركة ‘ME TOO’ والانتشار الكبیر للهواتف الذكیة. الأمر الذى دفعها هي وعدد من طلابها لملاحظة سلوك الأفراد في صالة المغادرة بالمطار. حیث توقعت فیلد رؤیة أشخاص یعانقون ذویهم ویودعونهم، لكن بدلا من هذا اكتفى كل فرد بمتابعة هاتفه. تأمل فیلد أن
یعود التلامس الاجتماعي والعناق بین العائلات، على الأقل لما أظهرته الأبحاث من أهمیة ذلك في تقلیل الضغط النفسي وتكوین الروابط والحمیمیة عن طریق إفراز هرمون الأوكسیتوسن، أو هرمون الحب كما یسمى أحیانا.

یمكن إعتبار المصافحة بالأیدي من أكثر وسائل التواصل الجسدي شیوعا في المجتمع الأمریكي وغیره من المجتمعات، ویعتقد أن تلك العادة بدأت منذ قرون عدیدة كطریقة لطمأنة الآخرین وكسب ثقتهم بأن الفرد لا یحمل سلاح. أیضا أظهرت الدراسات بقسم أبحاث العلوم العصبیة في جامعة إلینوى أنه یمكننا رؤیة تغییرات تحدث في المخ عند المصافحة بالأیدي، حیث یتم تحفیز مراكز المكافأة بالمخ، حتى ولو بمجرد رؤیة أشخاص آخرین یتصافحون.

ربما سیقوم العدید من الأفراد في الأعوام القادمة بتطویر وسائل تواصل اجتماعیة لا تتضمن التلامس كالتحیة الهندیة الشهیرة “Namaste” أو إیماءة سریعة للرأس مع وضع الید فوق موضع القلب، ویقتصر التلامس الجسدى فقط على الأشخاص المقربون للغایة. یتوقف هذا بشكل عام على الخلفیة الثقافیة والدینیة والمعتقدات الشخصیة لكل فرد، في النهایة ربما لن نصل جمیعا لنفس الحلول.

بالعودة مرة أخرى لد.سكلانسكي، المعارض بشدة لمصافحة الأیدي، الذي قام وفریقه فى عام 2017 بتجربة في إحدى مستشفیات لوس أنجلوس بنشر تعلیمات منع المصافحة بالأیدي أو أي أشكال أخرى من التلامس الجسدي بین مقدمى الخدمة الصحیة وبعضهم والمرضى. وباستطلاع الرأى وجد أن حوالي ثلث مقدمى الخدمة الصحیة، أغلبهم من الأطباء الذكور، أبدى استیاءه من تلك التعلیمات. فى حین عبر معظم المرضى وذویهم عن رضائهم عنها، وأن غالبیة المرضى وجدوا أن تواصل الطبیب بصریا بشكل جید معهم وإبتسامته في وجوههم، أو استخدامه لأسمائهم الشخصیة والسؤال عن حالهم، أهم لخلق علاقة علاجیة أفضل.

في النهایة یخبرنا المقال أن الكثیر منا یعاني حالیا من صعوبة التواصل مع شخص یبعد عنك بمقدار مترین، أو على شاشة في تطبیق “زووم”. لكن ربما تكون تلك فرصة لنتواصل سویا بشكل أفضل ونكتسب أشكال جدیدة للتعبیر عن النفس. بالتأكید من السهل أن تربت على كتف شخص حزین أو تعانقه بدلا من محاولة إیجاد الكلمات المناسبة لمواساته، لكن حان الوقت لنطور لغتنا لوصف ما نشعر به ونصیغه بكلمات مسموعة. یرى الخبراء أنه أمامنا فرصة ذهبیة لنكون أشخاص أفضل وأكثر قدرة على التواصل، لكن یبقى البدیل للأسف أن یقرر كل منا بسهولة الصمت وكتم مشاعره.



مترجم بتصرف من مقال

The Coronavirus Killed the Handshake and the Hug. What Will Replace Them?

قام بالترجمة وإعادة الصياغة د.رودينا جمال
رابط المقال الأصلي
https://time.com/5842469/coronavirus-handshake-social-touch/

عن د. رودينا جمال

أخصائي الطب النفسي. عضو الجمعية الأمريكية للطب النفسي APA. حاصلة على دبلوم ممارسة الطب النفسي جامعة عين شمس. طبيب متدرب بالزمالة المصرية للطب النفسي بمستشفى المعمورة للطب النفسي.