أحاديث نبوية .. وأسس تربوية

أحاديث نبوية .. وأسس تربوية… بقلم د.دعاء أحمد

فى عصرنا الحديث تعددت مناهج التربية وأدواتها.. والمشترك فيها جميعها أنها مناهج أسسها بَشَر .. لذا محتمل فيها الصواب والخطأ
أما المنهج النبوى التربوى فهو صورة من صور الوحى عن رب البشر ..بلّغه خير إنسان عرفته البشرية.. لذا هو منهج ننهل منه بثقة مطلقة.. فمن أدرى بالكائن من صانعه!

فى سطورنا التالية نذكر حديثا نبويا مع أسس تربوية برزت فيه
.
١.قدوة صادقة تُغنى عن ألف خطبة عن الصدق

عن أبى هريرة رضى الله عنه،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“من قال لصبى تعال هاك،ثم لم يعطه،فهى كذبة”

فتنبه لما تتلفظ به أمام أطفالك،وعودك لهم ومدى تنفيذك لها،هل تسير أقوالك وأفعالك فى اتجاه واحد أم أن لكل منهما مسار يعاكس الآخر؟
تزداد استجابة طفلك لك كلما لمس-واقعا- مزيدا من انسجامك مع ذاتك،وكلما قلّ انسجامك فهو أقرب لأن يتعلم مما تفعله لا مما تقول ..

٢.فى الوقت المناسب يكون التوجيه أسهل

حديث ابن عباس رضى الله عنهما الذى رواه الترمذى قال:كنت خلف النبى صلى الله عليه وسلم يوما فقال:”يا غلام إنى أعلمك كلمات …”

عن عمر بن أبى سلمة رضى الله عنهما قال:كنت غلاماً فى حجر النبى صلى الله عليه وسلم فكانت يدى تطيش فى الصُحفَة فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم :”يا غلام! سمّ الله،وكل بيمينك،وكل مما يليك”

الأطفال كالكبار،ليسوا فى كل الأوقات على استعداد للاستماع والاستجابة،وبعض الأوقات تكون عقولهم وقلوبهم أكثر انفتاحا واستيعابا وبالتالى استجابة للتوجيهات
من هذه الأوقات ما يرشدنا إليها الحديثان المذكوران
*وقت النزهة والطريق
*ووقت الطعام

جرب أن توجه ملحوظاتك برفق لولدك أو ابنتك أو مناقشتهم وأنتما فى السيارة مثلا أو تتمشيان للتنزه أو وقت الاجتماع لتناول الغداء..
ولاحظ أى الأوقات فى يوم طفلك وأى ظروف محيطة تجعله أكثر استجابة للتوجيه وحقق بذلك المعادلة الصعبة،مجهود أقل منك واستجابة أكبر منه..

٣.العدل الأبوى بذرة الأخوة الحقيقية والدفء الأسرى

روى البيهقى عن أنس رضى الله عنه أن رجلاً كان جالساً مع النبى صلى الله عليه وسلم فجاء بنى له،فقبّله،وأجلسه فى حجره،ثم جاءت بنيّة فأخذها،فأجلسها إلى جنبه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:”فما عدلت بينهما”

كن عادلاً وساوِ بين أبنائك فى عطائك المعنوى والمادى..تضمن الألفة بينهما وغياب الحقد والحسد…
كم من كراهية نشأت بين أخوة ،وقطيعة رحم سرها تمييز الأبوين لولد عن ولد .. أو ولد عن بنت.. أو بنت عن ولد
فاحرص على الإنتباه للأمر فى أدق صوره،كما انتبه الحبيب المصطفى لقُبلة!

٤.لطفلك صوت..لطفلك حق

أخرج البخارى ومسلم عن سهل بن سعد رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بشراب فشرب منه،وعن يمينه غلام “الفضل بن العباس” .. وعن يساره الأشياخ “كبار الصحابة”
فقال للغلام:”أتأذن لى أن أعطى هؤلاء؟” فقال الغلام:لا، والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبى منك أحدا، فتلّه -وضعه- رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يده

ولو تكرر المشهد مع أى منا فى حضور ولده قد لا يسأله أصلاً ولا يرى ذلك حقا له من الأساس،أو قال له “عيب/لا يصح/أين إحترام الكبير”
ربما زجره بنظرة أو بكلمة،أو عنفه بوخزة
ولو كبّرنا بأبنائنا لأصبحوا كباراً بحق ورفعوا رؤوسنا.. ولو اخترنا الاستمرار فى معاملتهم كصغار واستقبال كلماتهم باستصغار فلن نحصد جذعا قوياً يمكننا الاستناد إليه والاعتماد عليه
فليكن من شعاراتك فى التربية: قل يا بنى،ولا تحقر نفسك،صوتك مهم..

٥.التعزيزات النبوية.. غرس يومىّ..وزاد مستقبليّ

أخرج البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: ضمّنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال:”اللهم علمه الحكمة”

متى كانت آخر مرة ضممت فيها ولدك إلى صدرك ودعوت له بصوت عال؟

هل تشبع أطفالك بالتعزيزات المعنوية “حسن الاستقبال/ الابتسامة/الكلمة الطيبة/القبلة/الحضن/الدعاء/النظرة الحانية/المسح على الرأس/المدح المستحق/التصفيق والتهليل/الممازحة”؟

كيف تحب أن ترى ولدك.. ثمرة دعائك له أم ثمرة دعائك عليه؟

اختر أن تكون دائما فى صفّ ولدك..وأن تكون فى الجانب المشرق من ذكرياته.. وتذكر أن التعزيزات النبوية التربوية هى خير طريق تسلكه لتحقيق ذلك..

٦.كثرة اللوم والعتاب يهدمان لا يبنيان

يصف أنس بن مالك رضي الله عنه تربية النبى صلى الله عليه وسلم وقد خدمه عشر سنين:”فما كان يقول لى لشىء فعلته لم فعلته،ولا لشىء لم أفعله لِم لَم تفعله”

بعض المربين لا تلتقط عيونهم إلا ما نقص،ولا تنطلق ألسنتهم إلا فى التقريع والتأنيب
ونحن مرآة أطفالنا، إذا رأوا أنفسهم بعيوننا نسخة رديئة معيبة فسيصدقون ذلك عن أنفسهم وتصبح تلك الصورة حجرا يثقل ظهورهم أينما وحيثما كانوا على مدار حياتهم .. ولو التزمنا الرفق النبوى قدر المستطاع، لخففنا عنهم وعن أنفسنا ثقلا نحن فى غنى عنه ..

٧.صفة الخطاب للطفل: القرب والرفق والهدوء ،المباشرة،والاختصار، والوضوح،والإيجاز، والشمول،وعلى قدر العقول

تجدها جميعا تحققت فى الخطاب النبوى لابن عباس رضى الله عنهما وكان فى حدود العاشرة من عمره

كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا (قُرب مادى،وقت هدوء وتنزه،حسن الصحبة) قال يا غلامُ (قرب معنوى ،حسن النداء ،رفق، وخطاب مباشر)، إني أعلِّمُك كلماتٍ (اختصار وإيجاز): احفَظِ اللهَ يحفَظْك ، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك ، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك ،رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ(وضوح وشمول بما يناسب العمر العقلى للطفل).

٨.”تنحّ حتى أريك”
خاطب حواس طفلك،وعلمه بالتجربة

مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلام يسلخ شاة وما يحسن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:”تنحّ حتى أريك”..

التجربة العملية تجعل الطفل يستخدم أكثر من حاسة فتتفتح آفاق معرفته وتتسع مداركه
والتعلم بالتجربة أسرع وأفضل فى نتائجه من سرد الخطوات وتكرارها قولا
فإذا أردت أن يتعلم طفلك سلوكا أو مهارة ما وكان الاختيار بين رسالة شفهية وتجربة عملية فالأولوية للتجربة ..

٩.اللعب للطفل احتياج وليس رفاهية

روى ابن عساكر عن أبى سفيان قال:دخلت على معاوية وهو مستلق على ظهره،وعلى صدره صبى، أو صبية تناغيه،فقلت: أمط هذا عنك يا أمير المؤمنين!
قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:”من كان له صبى فليتصابَ له”

لملاعبة الطفل أثر إيجابى فى بنائه النفسى،يدخل على قلبه الفرح والسرور،ويشبع حاجته للالتفات له والانتباه إليه والاهتمام به،ويتحقق به للطفل ومربيه المتعة والأنس ويتوطد الدفء والحب ..

١٠.ما تكرر تقرر، وما تدرج بلغ التمام

أخرج أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر )

وبين الأمر والضرب غير المبرح ثلاث سنوات من تقديم القدوة والمحاكاة والتعليم والتدريب والتدرج والترغيب
ثلاث سنوات فى كل يوم فيهم خمس نداءات.. خمس محاولات مرفقة بالدعاء.. ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له ..

متعنا الله وإياكم بزينة الحياة الدنيا🌹

عن د. دعاء أحمد

دعاء أحمد عبد الفتاح استشاري الطب النفسي بكالوريوس الطب والجراحة. جامعة الأسكندرية. حاصلة على الزمالة المصرية للطب النفسي حاصلة على الزمالة العربي للطب النفسي حاصلة على دبلومة ممارسة الطب النفسى DPP بجامعة عين شمس

أبحث أيضاً في

أبناؤنا ومواسم الطاعات

 أبناؤنا ومواسم الطاعات بقلم: د.دعاء أحمد فى مواسم الطاعات تتنزل الرحمات..وتتضاعف الحسنات..وتتسع طاقات البذل ويكبر …