لست أُمّاً مثالية ..

منذ اللحظة التى وقعت فيها عينى على النتيجة الإيجابية لاختبار الحمل بدأت مرحلة جديدة من حياتى .. كثير من التفكير .. كثير من القلق .. وقليل من الراحة ..

كونك مطلعة على الأمور لن يمنع عنك بالضرورة حدوثها ..
أعرف أعراض اكتئاب الحمل ووقعت فى بعضها. .
أعرف أعراض اكتئاب ما بعد الولادة ووقعت فى الكثير منها ..
وأقرأ كثيرا فى أمور التربية لكن مع الوقت تكتشفين أن لكل طفل طبيعته الخاصة وكثير من نصائح الكتب قد لا تحقق جدواها .. وأن لحظة واحدة تختبرين فيها قلقا شديدا على طفلك تكون كفيلة بأن تنسيك كل ما تعلمته أو تحاولين تعلمه ..

بعض أعراض اكتئاب الحمل/ما بعد الولادة تغيرات مزاجية شديدة /شعور بالحزن /القلق/التوتر/عدم الراحة/إحباط شعور مستمر بعدم القدرة على بذل مجهود/فقدان الطاقة/إرهاق تغير فى طبيعة النوم (زيادة/نقصان) وكذلك الشهية للطعام شعور بفقدان الأمل أو القيمة شعور بالذنب صعوبة فى التركيز صعوبة فى تكوين علاقة شعورية أو ارتباط مع الطفل.. عدم القدرة على الاستمتاع به أو معه شعور بعدم الكفاءة فى الاعتناء بالطفل واحتياجاته خوف من إيذاء النفس/الطفل/ الشريك العرض لا يساوى المرض المرض هو مجموع الأعراض لفترة ممتدة لها حد أدنى. . تستمر غالب الوقت فى معظم الأيام لها أثر سلبي على الأداء الوظيفي والاجتماعى

بتدرج الشدة وطول المدة تختلف المسميات

عسر مزاج ما بعد الولادة Postpartum blues?

تصاب بها الكثير من الأمهات. . بنسبة قد تصل إلى 80% .. الأعراض أقل شدة من  إكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum depression) . . وتختفي الأعراض خلال أسبوعين من الولادة

أما الصورة الأشد والأكثر صعوبة وقد تعد إحدى حالات الطوارئ فى الطب النفسى فهى ذهان ما بعد الولادة (postpartum psychosis)  .. وتحدث بنسبة 1/1000 حمل

ثقافتنا المجتمعية قد لا تعطينا بشكل كامل كأمهات حق التعبير عن الضجر أو الشكوى من صعوبة المسئولية ..
قد يخبرك شريك حياتك: “انتى مش أول واحدة تخلف “
وقد تحدثك أمك: ” متشتكيش يا بنتى كتير ، العيال نعمة غيرك مش لاقيها احمدى ربنا”
ورغم أن هذه الجمل واقعية ومنطقية، وبمنظور آخر سأتناوله قد تقدم لك مساعدة حقيقية
غير أن وقعها كثيرا ما يكون سلبيا على الأم ، لا يقدم لها الدعم الذى تحتاجه، والأكثر صعوبة أنه قد يدخلها فى دوامات لا نهائية من الشعور بعدم الاستحقاق. . عدم الكفاءة .. والشعور بالذنب

أما ما أريد قوله من :”انتى مش اول واحدة تخلف”
هو أنك بالفعل “لست وحدك ” .. هناك من يشاركك التجربة .. بلحظات الاستمتاع فيها وأوقات المعاناة .. وجلسة واحدة حقيقية مع من يشاركنك التجربة ستدركين أن الشعور الحقيقى تجاه الأمومة هو غالبا شعور متناقض. . ومتداخل. . ليس رائعا طوال الوقت .. ولا بائسا على مد الطريق. .
واختبارك أحيانا الشعور ب: ” كنت أكثر حرية/حياتى ربما كانت أفضل بلا طفل/أود أن أترك كل شىء وأهرب”  لا يعنى بالضرورة أنك أم سيئة. . لا تشعرى بالذنب .. هى فقط لحظة من لحظات التعب .. المبرر جدا بالمناسبة .. وهذا الوقت سيمر ..

أهم ما يساعد فى مروره أسرع وأكثر سلاسة هو أن تتقبلى مشاعرك السلبية

تبوحين بها

تطلبين الدعم

ولتقومى بعمل آخر يجدد نشاطك

قد تفكرين ، أو يخبرونك أن إخلاصك المطلق لكونك أما هو ما سيجعل منك أما مثالية. . الأوقع هو أنه من الضرورى أن يكون لك أنشطة أخرى بجانب الأمومة   -حتى ولو لم تكن على نفس الدرجة من الاهتمام والأهمية – كوظيفة /هواية تمارسينها/صداقات/نشاط اجتماعى /رياضة ولو أن تتمشى لبعض الوقت

وظيفة هذه الأنشطة الجانبية هى أنها المنفذ الإيجابى الذى تتخلصين فيه من مجموع قلقك وهمومك ، تطفئين عقلك الأمومى  لبعض الوقت حتى تتمكنى من استعادة التوازن
كما أنها تمنحك طاقة عطاء أكبر فى مهمتك الرئيسة وتفتح نافذة أكبر فى عالم طفلك

وما أريد قوله فى :”متشتكيش ، احمدى ربنا”
هو أن التركيز المبالغ فى الشكوى يلهينا عن التفكير فى حلول بناءة. . ويحرمنا كذلك الاستمتاع بالرحلة
أحيانا نحتاج بالفعل إلى مراجعة “مفهوم الحمد” ورؤية من هم أصعب حالا وظروفا لنسترجع مفهوم التوازن.

خواص التطور العام للأطفال تكون مشتركة. . غير أن كل طفل يتمتع بكينونته الخاصة .. له بعض أفعال مميزة .. وردود فعل لا يشبه فيها غيره
لست مطالبة بأن أكون أما مثالية .. مطالبة بأن أحاول فهم طبيعة طفلى والتفاعل معها بما يمنحنا معا أفضل راحة ممكنة
مطالبة بالسعى الدائم كى أخلق له بيئة آمنة وارتباط بى آمن مبنى على الثقة secure attachment

افتراض خاطئ أن شرط التعلق/الارتباط الآمن هو عدم الوقوع فى الخطأ. . الوقوع فى الخطأ حتمى. . ضرورى كذلك
لا بأس إن وقعت فى خطأ ما .. طالما سأحاول إصلاحه
إصلاح الخطأ عند الوقوع فيه هو النواة الحقيقية لعلاقة آمنة مع طفلى.. وثقة ممتدة

good enough mother مصطلح “الأم الجيدة بما يكفى”  قدمه عالم التحليل النفسى البريطانى winnicott وفيه يناقش أن الأم الجيدة ليست هى الأم المثالية .. بل هى التى تتمتع بحساسية عالية لاحتياجات طفلها ، تلتقطها بدقة وتتفاعل معها بسرعة وكفاءة. . لابد وأن تمر على طفلها لحظات من الإحباط. . لكنها جيدة بما يكفى لأن تجعل هذه اللحظات محدودة .. تصبح لحظات الإحباط تلك مع تقدم عمر الطفل ضرورة كى يتعرف على واقع العالم الخارجى فتتعمد أحيانا تأخير الاستجابة بالقدر المناسب .

 

لست أما مثالية .. ولست مطالبة بأن أكون كذلك

القلق طبيعى .. واجب تقبله والأهم إيجاد طرق إيجابية للتعامل معه

الشعور المتناقض تجاه ما نحمله من مسئولية وتجاه أطفالنا أنفسهم لبعض الوقت لا بأس به كذلك. . ولا يستدعي الإحساس بالذنب
وكون مسئوليتك يقوم يحملها أيضا ملايين غيرك لا يعنى إطلاقا أنها ليست ثقيلة. . ونحتاج فيها الكثير من المشاركة والدعم
أنت أم عظيمة مادمت تبذلين جهدا كى ينعم طفلك بالسكينة. . ولا تنسى السعى كذلك كى تنالى أنت أيضا قدرا منها.