ظلام مرئى

يحكى الروائى عن تجربته الخاصة مع الإكتئاب المرضى
ويؤكد حقيقة ألا وهى أن المسمى قد يكون ثابتاً “الإكتئاب”
غير أن كواليس المعايشة تختلف من فرد إلى آخر.. لكل منهم روايته المتفردة.. التى يصعب حكيها.. ومهما خضنا فيها.. لايحياها بحق إلا الغارق فيها..
مسنى هذا المعنى بقوة.. وتذكرت تجربتى الخاصة.. قرابة التسعة أشهر بعد الولادة.. اجتاحني فيها هذا الفيضان وتركنى مفتتة.. كنت أنظر بعيون زائغة فى وجه العالم ويصرخ صمتى:”لا أحد هنا يشعر بشىء.. لا أحد”

تجربة مفزعة.. فزعها الأكبر فى المعنى الذى تحدث عنه الكاتب..
الساقط فى بئر الإكتئاب العميقة تؤمن أجزاؤه المكسرة أن لا سبيل للنجاة.. كل شيء فى طريقه لنهاية محتومة.. لربما تعجلها بنفسه لنفسه..
فزع يبقى شىء من أثره حتى بعد النجاة من براثنه..
قلت يوما لزميلتى.. تسعة أشهر عشتها وأعلم أنى سأقضى ما تبقى من عمرى أجاهد كى لا أعود لمثلها.. وحدثتها عن فزعى لما تخرج إضطرابات نومى عن السيطرة.. ما أعتبره نذير شؤم.

لما سألتنى صديقتى رودينا عن رأيى فى الكتاب أخبرتها أنه أعجبنى غير أنى كنت انتظر المزيد
ربما علت توقعاتى لأن الكاتب روائى.. وربما أردت من يستفيض نيابة عنى فيما لم أكتب عنه باستفاضة بعد.. وأحياه بدرجات أهون فى محطات العمر.. وانتهيت لمعنى أعمق قد لايعبر بالضرورة عن واقع.. يطغى الشعور بالبتر علىّ لأن الكتاب يحكى عن مرض يجعل كل الأشياء مبتورة..

الجميل أن الكاتب لم يكذب أو يتجمل.. أفصح بوضوح عن الفاجعة.. وعدّد من لقوا حتفهم لأن الوحش كان أقوى.. حتى وإن كان ظاهر حياتهم لا يكشف عن مبررات منطقية لقرارهم الأخير بالانتهاء
وتحدث بصدق أيضا يستحق أن يتمسك به من يعايشون ما عايشه.. عن الفرج في النهاية
وقد بدأت الأدوية تأتى أثرها.. وساهم الحجز بالمشفى بما فيه من جلسات العلاج الكلامى والعلاج بالفن فى تحقيق نتيجة أفضل.

يقول:”لكن المستشفى يقدم للمريض أيضا صدمة خفيفة ومبهجة على غير العادة وهى صدمة الاستقرار المفاجئ، وذلك مع إنتقاله من أجواء المنزل المألوفة للغاية لديه، والتى يسودها القلق والخلافات، إلى حالة من الحبس المنظم الذى لا يؤذيه،وحيث تصبح مسؤوليته الوحيدة هى التعافى. وفى حالتى كان الزمن والعزلة هما المداويين الحقيقين. “

يبدأ انفراج الغمة.. على لسان الكاتب:” كان ذلك فى مطلع فبراير، وعلى الرغم من أننى كنت لا أزال مضطربا، فقد أدركت أننى قد خرجت إلى النور.
شعرت بأن نفسى لم تعد قشرة وإنما جسد، وبدأت الدماء تجرى فى عروقى مرة أخرى، ورأيت حلمى الأول منذ شهور عديدة، حلما مرتبكا لكنه خالد حتى يومنا هذا، فى مكان ما منه ظهر ناى، وإوزة برية، وفتاة ترقص”

واكتمل التعافى الجميل.. تعبر عنه برقة جملة الكتاب الأخيرة :
” وهكذا خرجنا، ومرة أخرى أبصرنا النجوم”.