تشعر بالوحدة؟ .. لست وحدك!

من المواقف التى تركت في أثراً لا أنساهدموع السيدة الستينية فى عيادة المسنين، جاءت تشكو إعتلال المزاج وإضطرابات النوم والشهية، وهى تستفيض فى الحديث عما تعانيه سألتها:“حضرتك عايشة لوحدك؟”. كانت دموعها الإجابة، ثم كفكفتها وأخبرتنى عن نشاطات عدة تنتوى القيام بها كى تتفادى قسوة الشعور، شجعتها على ذلك، أخبرتها أن الدواء يساعد فى تحسين الأعراض لكن إذا أرادت حلاً جذريا للمشكلة فعليها أن تتعلم كيف تتعامل مع وحدتها..

الوحدة شعور قاسى، يضاد كلمة “الإنسان ” وما يراد بها .. “الأُنس” .. وأصعب ما قد يحياه الفرد منا هو ما يكون معاكساً لطبيعته التى فُطر عليها ..

حتى الجسد يرفض الوحدة،لأنه صُمم ليتفاعل ويتواصل مع الآخرين، ويستعد فسيولوجياً لها استعداده للخطر أو التهديد فيزيد من إفراز هرمون الكورتيزول،وتكون الاستجابة واحدة من استجابات التعرض للخطر: الكر أو الفر أو التجمد Fight or flight or freeze يحيا الجسد فى حالة من التأهب والتوتر والغضب

وإذا صار الجسد شاعراً بالضغط لفترة طويلة -مزمنة- قد يترتب على ذلك الإصابة بأمراض القلب أو المناعة، أو الأمراض التى تؤثر على القدرات العقلية كمرض ألزهايمر ،وغيرها.. هكذا يتعرف الجسد على الوحدة ؟ فكيف تتعرف عليه الروح؟

رغم كونه سؤالا صعبا ،عليك أن تكتسبه كعادة إذا كنت تشعر بالوحدة: “ما الذى افتقده فى حياتى؟”

بعض الأسئلة التى قد تساعدك فى رؤية المشهد بشكل أفضل

  • هل لدى شخص أستطيع الخروج معه؟
  • عندما أحتاج للمساعدة،هل هناك من أستطيع طلب ذلك منه؟
  • هل لدى صديق مقرب؟
  • هل أشعر بالانتماء إلى مجموعة أو مجتمع؟
  • هل لدى شخص أستطيع التحدث إليه؟
  • هل علاقاتى سطحية؟

بإجاباتك على الأسئلة يمكنك إدراك المسبب الأساسى لشعورك بالوحدة
ربما هى لأنك لا تملك صديقاً مقرباً،أو تفتقد شعوراً بالإنتماء لمجموعة تشبهك وتشعر بالألفة معها، ربما ما تحتاج إليه رفقة عاطفية، أو حتى جيرة تلجأ إليها فى أوقات الطوارئ

هناك أنواع عدة للوحدة، ورغم كون السؤال مؤلماً، غير أن الإجابة ستعرفك ما الذى تحتاج التركيز والعمل عليه ..

الوحدة تُحدث فى الروح خواء وهشاشة،تنقد ذاتك باستمرار ويستولى عليك شعور مزمن بالضعف وعدم القدرة، والحاجة إلى الحماية ما يتسبب فى حدوث حلقة مفرغة..

أنت تحتاج إلى البشر وعندما يأتون تشعر بالتهديد من جانبهم فتعمل بدون وعى منك على التخلص منهم وتعود لوحدتك من جديد

قد يوقعك شعورك بالوحدة فى فخ “دور الضحية” لكن هذا لن يساعدك فى شىء…. إذا أردت التعامل مع الوحدة. عليك أولاً أن تخلع عنك دور الضحية.

بعض النقاط قد ترشدك إلى الطريق:

١.تعرف على مفهوم الوحدة ، وأى نوع بالضبط من الوحدة هو ما تعانى منه

  • قد يعيش الفرد بمفرده ولا يشعر بالوحدة،لأن حياته مليئة بالنشاطات الاجتماعية
    وقد تشعر بالوحدة وأنت متزوج ولديك عائلة  لأنك تفتقد معهم معنى المشاركة
  • راجع مع نفسك بصدق الأسئلة السابق ذكرها ثم حدد ما الذى تفتقده بالفعل فى حياتك

٢.تواصل مع الآخرين

  • والتواصل الحقيقى هو ما تكون فيه بحقيقيتك، بجسدك وتعبيرات وجهك،وكذلك الآخرين، لذا لا يعد التواصل الإجتماعى عبر الشبكات تواصلاً.
    نلجأ لمواقع التواصل الاجتماعى ظناً منا أننا بذلك نهرب من الوحدة، وما أثبته الدراسات أنها -مواقع التواصل- لا تحقق المرجو منها، بل وعلى العكس قد تزيد من الشعور بالإغتراب وتزيد من معدلات الإصابة بالاكتئاب، لأنك فيها تتخلى عن حقيقيتك، وطبيعتك الخاصة،وتزين ملامحك الداخلية والخارجية،كى تظهر دائما فى صورة أفضل وتلقى استحساناً وهذا فى حد ذاته يسبب الشعور بالضغط،والحزن، والفراغ الداخلى، فصديق واحد على أرض الواقع أفضل وأعمق أثراً من مائة على مواقع التواصل
  • ليس “كم” العلاقات ولكن “كيفيتها”و “جودتها” هى التى تحدث أثرا حقيقيا،أنت تحتاج شخصا تستطيع ممارسة نفسك الحقيقية أمامه بلا تجمل أو خداع.
  • العائلة والأصدقاء هم الجائزة الحقيقية.

 

بعض العادات التى قد يساعد اكتسابها فى التواصل مع الآخرين:

  • اكتسب عادة مساندة الآخرين: كأن تعتنى بطفل جارك مرة أسبوعيا،أو تتطوع فى عمل خيرى،قد تعلم أطفال الحى مهارة لديك،أو تشترى حيوانا وتعتنى به….العطاء يغذى التواصل ويقضى على الوحدة
  • اكتسب عادة التواصل فى المواقف اليومية:كأن تعرض على زميلك بالعمل شرب فنجان القهوة سوياً ف استراحة العمل ،أو أن تحكى موقفاً طريفاً مررت به لزوجتك وأبنائك على مائدة الطعام، خصص ولو دقيقة يومياً للتحدث مع الحارس أو عامل البقالة أو ميكانيكى السيارة أو أى ممن قادتك خطواتك إليه فى هذا اليوم
  • اكتسب عادة الإنضمام لمجموعات جديدة : كالإشتراك فى رياضة ،أو الالتحاق بأندية القراءة،
    انضم لمجموعة تشبهك وتشعر فيها بالانتماء، لأن اكتساب الصداقات يكون أسهل عندما نكون معاً نعمل على شىء مشترك
  • اكتسب عادة أن تكون منفتحاً:
    كما شرحنا سابقاً،الشعور المزمن بالوحدة قد يجعلنا مهيئين أكثر لمهاجمة الآخر بدلاً من استقباله، إدراكك لهذه المعلومة قد يساعدك فى إتخاذ الخطوات للتغلب على ما اعتدت عليه
  • اكتسب عادة الصبر مع العلاقات الجديدة:
    لا تتوقع كثيراً فى البداية، الصداقة تأخذ وقتاً كل تُبنى ويصبح أساسها متينا، لا تطلب الكثير من صديقك الجديد أو من وقته، ولا تستقبل كلمة “لا” منه كرفض لشخصك، هو لديه حياته، والمشترك بينكما يمدد الوقت المشترك بمرور الوقت.
  • وأخيرا اكتسب عادة التوازن فى حياتك اليومية
    بأن تنام جيدا، وتأكل ما يكفيك، وتمارس الحركة، وبذلك يعتدل المزاج المعتل، وتصبح أكثر استعدادا لاكتساب عادات ومهارات جديدة تخطو بك نحو الأُنس.

عن د. دعاء أحمد

دعاء أحمد عبد الفتاح استشاري الطب النفسي بكالوريوس الطب والجراحة. جامعة الأسكندرية. حاصلة على الزمالة المصرية للطب النفسي حاصلة على الزمالة العربي للطب النفسي حاصلة على دبلومة ممارسة الطب النفسى DPP بجامعة عين شمس

أبحث أيضاً في

أبناؤنا ومواسم الطاعات

 أبناؤنا ومواسم الطاعات بقلم: د.دعاء أحمد فى مواسم الطاعات تتنزل الرحمات..وتتضاعف الحسنات..وتتسع طاقات البذل ويكبر …