توقف، من فضلك!

منذ فترة ليست بالقصيرة وأنا أشعر بإنهاك جسدى ونفسى، وسعيت لحلول عدة؛ فعلت أشياء جديدة،لم أفعلها من قبل ،أو كانت واحدة من طقوسى القديمة المحببة التى توقفت وتوقفت عن فعل أى شىء.

وفى كلا الحالتين لم أشعر بالتحسن،بل وازداد الأمر سوءا وانعكس ذلك فى مشاعرى وأفكارى وسلوكياتى.
صرت متحفزة بشكل كبير،افترض سوء النية غالب الوقت،اندفع فى تصرفاتى،وضبطت نفسى أكثر من مرة متلبسة بلعب دور الضحية….وهنا كان لابد من وقفة.
….
كنت استمع إلى حلقة عن صفة الصلاة الصحيحة وكان مما اخجلنى من نفسى أنى لم أكن أعرف قبل تلك اللحظة بوضوح تأملى أن “الطمأنينة” ركن أساسى من أركان الصلاة، رغم أن أمى كانت تقص علينا منذ الصغر مرارا حديث المسىء فى صلاته وأحفظ:”اذهب فصلّ فإنك لم تصلّ”

أحب جدا حديث رسولى ويتردد فى ذهنى كثيرا
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ،  فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)

ويعلموننا فى مدارس العلاج النفسى نفس المفهوم بإختلاف المسميات؛

  • “هنا والآن “مبدأ من مبادئ العلاج السلوكى المعرفى
  • “اليقظة الذهنية” الكتاب الذى تصفحته قدرا اليوم والمستخدم كممارسة فى عدة مدارس علاجية أبرزها العلاج الجدلى السلوكى يتحدث عن نفس المبدأ ، أن تحيا اللحظة

أؤمن بجملة مرت على فكرتها وأرددها كثيرا لأصحابى والمرضى فى العيادة النفسية

“الاستغراق ف امبارح يسبب الاكتئاب،والاستغراق ف بكرة يسبب القلق،
وعلاج الاتنين إننا نركز على النهاردة”

كل الشواهد السابقة،ترتبت فى ذهنى الآن فى رحلة عودتى بالقطار،وكنت قد قررت مسبقا أن هذا الوقت سيكون وقت الوقفة.

الحق هو أنى فى كل الحلول السابقة كنت أهرب بشكل ما ،عوضا عن المواجهة.

أفعل جديدا لم أعهده من قبل ، أو طقساً محببا توقف “هروب منمق” أو أتخلى عن كل شىء “هروب واضح”
وفى كلا الهروبين لا راحة ، لأن المسببات الأصلية للشعور بالإنهاك لم يتم التوقف عندها والالتفات إليها بشكل واضح،لم يتم مواجهتها ومحاولة إيجاد حلول حقيقية تصب فيها ذاتها.
كل المحاولات كانت لتفاديها،أو غض الطرف عنها، فإما أنشطة كثيرة تلهى حتى ينتهى اليوم ، أو توقف زائف لأن الكثير لا يغنينا، والنفس فى كلا الوضعين لا تهدأ، وسيل الأفكار لا ينقطع، يتدفق حتى فى وقت النوم بلا وقفة

الحق هو أنى تنقصنى مهارة التوقف ، أشعر بشكل شبه دائم أن على اللحاق بشىء ما، حتى فى الأوقات التى أكون فيها غير مكلفة بشىء تغزونى التكليفات الذهنية، وفى وقت توقفى”جبرا أو اختيارا ” ينتابنى الشعور بالذنب!

أنا أدعى التوقف بشكل رئيسي،غير أنى احتال بالطرق الفرعية،إما كى احتفظ بالسرعة،أو لإدعاء أنى سعيت
للطرق البديلة لكننى وجدتها مسدودة.

أنا بحاجة حقيقية لأن أتوقف، حتى أثناء القيام بما أقوم به، كمفهوم الأمر الربانى:”ورتل القرآن ترتيلا” وليس
مجرد القراءة أو الحفظ

أرى علتى الآن متجلية،وأعلم أن وضع الأمور فى نصابها لن يكون سهلا،لكن سلام النفس الحقيقى وتزكيتها يستحق
فى القطار السائر قررت أن أتوقف.

عن د. دعاء أحمد

دعاء أحمد عبد الفتاح استشاري الطب النفسي بكالوريوس الطب والجراحة. جامعة الأسكندرية. حاصلة على الزمالة المصرية للطب النفسي حاصلة على الزمالة العربي للطب النفسي حاصلة على دبلومة ممارسة الطب النفسى DPP بجامعة عين شمس

أبحث أيضاً في

أبناؤنا ومواسم الطاعات

 أبناؤنا ومواسم الطاعات بقلم: د.دعاء أحمد فى مواسم الطاعات تتنزل الرحمات..وتتضاعف الحسنات..وتتسع طاقات البذل ويكبر …